الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وتوفي السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال العلائي ثم الظاهري سلطان الديار المصرية في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى وقد تقدم ذكره. وتوفي جمال الدين جميل بن أحمد بن عميرة بن يوسف المعروف بابن يوسف شيخ العرب ببعض إقليم الغربية والسخاوية بالوجه البحري في جمادى الأولى وقد جاوز الستين. وتوفي الزيني مرجان بن عبد الله الحصني الحبشي الطواشي مقدم المماليك السلطانية في آخر يوم الأحد ثاني جمادى الآخرة ودفن من الغد وقد ناهز الستين من العمر كان وضيعًا في مبدأ أمره وقاسى خطوب الدهر ألوانًا وتغرب واحتاج في غربته إلى التكدي والسؤال ثم حسنت حاله وخدم عند خلائق من الأمراء إلى أن تحرك له بعيض سعد وترقى إلى أن ولي نيابة المقدم ثم التقدمة. فلما ولي لم يراع النعمة بل أخذ في الإسراف على نفسه فما عف ولا كف ودام على ذلك إلى أن مات وعلى كل حال فمستراح منه وهو ممن يقال في حقه: " يأكل ما كان ويضيق بمكان ". وتوفي الوزير الصاحب سعد الدين فرج بن مجد الدين ماجد بن النحال القبطي المصري بطالًا بالقاهرة في ليلة الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة وقد جاوز الستين من العمر بعد أن ولي كتابة المماليك والوزر والأستادارية غير مرة رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين كزل بن عبد الله السودوني المعلم أحد أمراء العشرات في يوم السبت ثاني عشرين جمادى الآخرة ودفن من الغد بتربته التي أنشأها بالصحراء وسنه نحو التسعين سنة تخمينًا وقد انتهت إليه رئاسة الرمح وتعليمه في زمانه. وكان أصله من مماليك سيدي سودون نائب الشام قريب الملك الظاهر برقوق وقد ذكرنا من أمره نبذة في ترجمة الملك الظاهر في " المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي " رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير زين الدين فيروز بن عبد الله الطواشي الرومي النوروزي الزمام والخازندار في يوم الخميس رابع عشرين شعبان وقد شاخ وجاوز الثماين من العمر. وكان من عتقاء الأمير نوروز الحافظي نائب الشام ثم وقع له بعد موت أستاذه محن وخطوب ذكرناها في غير موضع من مصنفاتنا وليس هذا المحل محل إطناب في التراجم وإنما هو إخبار بما وقع وحدث على سبيل الاختصار في هذه الترجمة وغيرها. ومات فيروز هذا بعد مرض طويل ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء وخلف مالًا كثيرًا لم يظفر السلطان إلا ببعضه وهو نحو المائة ألف دينار أو أزيد. وكان رأسًا في البخل والشح يمشي من طبقته بقلعة الجبل إلى السلطان بالدهيشة وإذا صلى الفريضة صلى جالسًا إن صلى. وتوفي الأمير شرف الدين يونس الأقبائي الدوادار الكبير بعد مرض طويل في يوم الأربعاء ثاني عشرين شهر رمضان ودفن من يومه بتربته التي أنشأها بالصحراء وقد جاوز الستين من العمر ولم يخلف بعده مثله سؤددًا وكرمًا وحشمةً وشجاعةً ورئاسةً. وبالجملة إنه كان به تجمل في الزمان رحمه الله تعالى. وكان أصله من عتقاء الأمير آقباي المؤيدي نائب الشام حسبما ذكرنا محاسنه في غير موضع من تواريخنا. وتوفي الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الأبوبكري المؤيدي أتابك حلب بها في أواخر شهر رمضان وهو مناهز الستين من العمر. وأصله من عتقاء الملك المؤيد شيخ. وقد ولي أتابكية حلب غير مرة وولي في بعض الأحيان نيابة حماة ثم نقل إلى تقدمة ألف بدمشق ثم إلى أتابكية حلب. وكان عاقلًا حشمًا حسنة من حسنات الدنيا. وتوفي الأمير سيف الدين خشكلدي بن عبد الله الكوجكي أحد أمراء طرابلس في أواخر شهر رمضان. وكان له شهرة وولي نيابة حمص في وقت من الأوقات. وتوفي الوزير تاج الدين بن عبد الوهاب بن الشمس نصر الله ابن الوجيه توما القبطي الأسلمي الشهير بالشيخ الخطير وهو لقب لوالده نصر الله بعدما شاخ في يوم الأربعاء خامس ذي القعدة. وكان معدودًا من الكتبة وباشر الوزر بعجز لكنه كف عن المظالم فهو أحسن الوزراء سيرة والسداد ميسر. وتوفي قاضي القضاة ولي الدين أحمد ابن القاضي تقي الدين ابن العلامة بدر الدين محمد ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعي قاضي قضاة دمشق معزولًا بها بعد مرض طويل في ذي القعدة ومولده بالقاهرة في سنة أربع عشرة وثمانمائة. وكان رحمه الله تعالى عالمًا فاضلًا ذكيًا فصيح العبارة مستقيم الذهن طلق اللسان جهوري الصوت مليح الشكل خطيبًا بليغًا مفوهًا كثير الاستحضار للشعر وأنواعه نادرة في أقاربه وأبناء جنسه إلا أنه كان قليل الحظ عند الملوك والأكابر كما هي عادات الدهر من تقديم الجهلاء وتأخير الفضلاء. وتوفي الأمير سيف الدين خيربك بن عبد الله النوروزي بعد عزله عن نيابة صفد وتوجهه إلى دمشق أميرًا بها. وكان يلي المناصب الجليلة بالبذل لعدم أهليته فإنه كان لا للسيف ولا للضيف. وتوفي الشيخ المعتقد الصالح المجذوب أحمد بن خضر السطوحي المعروف بالشيخ خروف في يوم السبت سابع ذي الحجة ودفن بزاويته عند جامع ملكتمر الشيخوني المعروف بالجامع الأخضر بطريق بولاق. وكان للناس فيه اعتقاد وكان يعجبني حاله في المجاذيب رحمه الله تعالى. وتوفي القاضي أفضل الدين محمود بن عمر القرمي الأصل الحنفي الفقيه المشهور أحد نواب الحكم الحنفية بالديار المصرية وهو عائد من مجاورته بمكة بالقاع الكبير في ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة وحمل إلى منزلة بدر فدفن بها وهو في عشر السبعين. وكان معدودًا من فقهاء السادة الحنفية وله اشتغال قديم وفضل ومشاركة وناب في الحكم زيادة على ثلاثين سنة مع أدب وحشمة.
: الماء القديم ستة أذرع ونصف. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وواحد وعشرون إصبعًا. وثبت إلى أيام من توت ومع هذا الثبات شرق بلاد كثيرة من عدم إتقان الجسور ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. السنة الثانية من سلطنة الظاهر خشقدم وهي سنة ست وستين وثمانمائة. فيها توفي الأمير سيف الدين بيبرس بن أحمد بن بقر شيخ العربان بالشرقية من أعمال القاهرة بالوجه البحري وقد ناهز السبعين من العمر في يوم الأربعاء مستهل صفر بالقاهرة. وكان مشكور السيرة نادرة في أبناء جنسه رحمه الله تعالى. وتوفي الشيخ الرباني الصوفي المعتقد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الفوي الشافعي نزيل القاهرة بها في ليلة السبت سلخ شهر ربيع الأول وهو في الثمانين تخمينًا ودفن من الغد بالصحراء. وكان من تلامذة الشيخ المسلك إبراهيم بن عمر بن محمد الإدكاوي وخدم غيره أيضًا من الصالحين. وكان رحمه الله تعالى أحد من أدركنا من أرباب الصلاح والخير عفا الله تعالى عنه. وتوفي الأمير سيف الدين قاني باي بن عبد الله الجاركسي الأمير آخور الكبير كان بثغر دمياط بطالًا في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر وحمل ميتًا من دمياط إلى القاهرة فغسل بها وكفن وصلي عليه بمصلاة المؤمني وحضر السلطان الملك الظاهر خشقدم الصلاه عليه ودفن بتربته التي جددها وبناها بالقرب من دار الضيافة. وكان أستاذه الأمير جاركس القاسمي المصارع مدفونًا بها. ومات قافي باي هذا وقد ناهز الثمانين من العمر وكان أصله من مماليك الأتابك يشبك الشعباني وأنعم به على الأمير جاركس القاسمي المصارع فأعتقه جاركس واستمر بخدمته إلى أن قتل في سنة عشر وثمانمائة وصار من جملة المماليك السلطانية. ثم صار خاصكيًا بعد موت الملك المؤيد شيخ وعاش على ذلك دهرًا طويلًا إلى أن صار أمر الملك إلى الملك الظاهر جقمق في دولة الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباي وأنعم علية بإمرة عشرة لكونه من مماليك أخيه جاركس القاسمي وكان جاركس أكبر في السن من أخيه الملك الظاهر جقمق. فلم يكن إلا مدة يسيرة وتسلطن الملك الظاهر جقمق وقرب قاني باي هذا ورقاه وجعله شاد الشراب خاناه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف ودام على وظيفته وهو من جملة المقدمين ثم جعله دوادارًا كبيرًا ثم أمير آخور كبيرًا. ونالته السعادة وعظم في الدولة الظاهرية حسبما ذكرنا أموره مفضلة في تاريخنا " الحوادث " ودام على ذلك إلى أن مات الملك الظاهر جقمق وتسلطن ولده الملك المنصور عثمان وخرج عليه الأتابك إينال العلائي وتسلطن عوضه فأمسك قاني باي هذا وحبسه بالإسكندرية سنين كثيرة إلى أن أخرجه الملك الظاهر خشقدم في أول سلطنته وسيره إلى دمياط بطالًا فدام بها إلى أن مات في التاريخ المذكور. وكان خيرًا دينًا سليم الباطن مع طيش وخفة رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين تمرباي بن عبد الله من حمزة الناصري المعروف بتمرباي ططر أحد مقدمي الألوف في ليلة السبت ثامن عشرين جمادى الآخرة وقد ناهز الثمانين. وكان تركي الجنس من مماليك الملك الناصر فرج ونزل به الدهر ثم عاد إلى بيت السلطان وترقى ثانيًا إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف في دولة الملك الظاهر خشقدم. وكان من المهملين المساكين. وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الجكمي نائب ملطية بها في شهر ربيع الآخر وقد أسن لأنه من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب كان. وتوفي غيث بن ندى بن نصير الدين شيخ العربان بأحد جهات إقليم مصر ودفن خارج القاهرة في يوم الاثنين خامس شهر رجب وكان موته بعد قتل ابنه حمزة وسلخه باثنين وعشرين يومًا ومستراح منه ومن ابنه حمزة ولله الحمد على موتهما. وتوفي الأمير سيف الدين حاج إينال اليشبكي نائب حلب بها في ليلة الخميس سابع عشرين شعبان بحلب ودفن في يوم الخميس وقد قارب الستين من العمر أو جاوزها. وكان أصله من مماليك الأمير يشبك الجمكي أمير آخور وولي حلب عوضه الأمير جانبك التاجي المؤيدي. وكان إينال هذا ولي عدة أعمال بالبلاد الشامية: حماة وطرابلس وحلب غير أنه لم تسبق له رئاسة بمصر قط. وكان لا بأس به لكنه لم يحمده الحلبيون في ولايته عليهم. وتوفي الأمير سيف الذين تنبك بن عبد الله الأشرفي المعروف بالصغير أحد أمراء العشرات ورأس نوبة قتيلًا بيد العربان بالبحيرة وقد ذكرنا واقعته وكيفية قتله في " الحوادث " وكذلك الأمير سنطباي قرا الظاهري رحمه الله تعالى. وتوفي المقام الناصري محمد ابن السلطان الملك الأشرف إينال العلائي بثغر الإسكندرية في يوم الخميس مستهل ذي الحجة وعمره نحو سبع عشرة سنة وهو شقيق الملك المؤيد أحمد أمهما خوند زينب بنت بدرالدين بن خاص بك. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وعشرة أصابع. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وستة أصابع. وثبت إلى أواخر توت على نحو ثمانية عشر ذراعًا. وهي سنة سبع وستين وثمانمائة. فيها توفي الأمير الطواشي عنبر الطنبذي الحبشي نائب مقدم المماليك السلطانية بطالًا في يوم السبت ثامن المحرم. وكان من أصاغر أبناء طائفته. كان من عتقاء التاجر نور الدين علي الطنبذي وبنى مدرسة بخط سوق الغنم قبل موته بمدة يسيرة رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين جانم بن عبد الله الأشرفي نائب الشام قتيلًا بيد بعض مماليكه بمدينة الرها في ليلة الثلاثاء تاسعع عشرين شهر ربيع الأول وهو نزيل حسن بك بن فرايلك صاحب ديار بكر. وقد تقدم من ذكره في أول سلطنة الملك الظاهر هذا ما يغني عن التعريف بأموره ثانيًا هنا. وكان جانم رجلًا للقصر أقرب وفيه حدة مزاج وسرعة حركة مع تدين وجودة ومحبة للفقهاء والفقراء وأرباب الصلاح مع كرم وأدب وحشمة ورئاسة وعفة عن القاذورات والفواحش رحمه الله تعالى. وتوفي قاضي القضاة شيخ الإسلام سعد الدين سعد ابن قاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد العبسي الديري المقدسي الحنفي قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها معزولًا عن القضاء بداره بمصر القديمة في ليلة الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني ودفن بتربة السلطان الملك الظاهر خشقدم بالصحراء. ومولده ببيت المقدس في شهر رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة وبها نشأ وسمع الحديث على جماعة ذكرناهم في ترجمته في تاريخنا " المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي " وحفظ القرآن العزيز وعدة متون في الفقه وتفقه بأبيه وغيره إلى أن برع في الفقه وأصوله. وأما فروع مذهبه والتفسير فكان فيهما آية من آيات الله ومات وقد انتهت إليه رئاسة الفقه في مذهبه شرقًا وغربًا مع أنه كان رأسًا أيضًا في حفظ التفسير وله مشاركة في عدة فنون وبالجملة فإنه مات ولم يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين شاد بك بن عبد الله الصارمي نائب غزة بها في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الأول وقد قارب الستين. وكان من عتقاء المقام الصارمي إبراهيم ابن الملك المؤيد شيخ المحمودي وكان ولي غزة بالبذل ومات قبل أن يستوفي ما بذله في ولايتها وخلف عليه ديونًا عفا الله تعالى عنه. وتوفيت خوند بنت السلطان الملك الظاهر جقمق زوجة الأمير أزبك من ططخ الظاهري أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في عصر يوم الاثنين عاشر جمادى الأولى وحضر السلطان الصلاة عليها بمصلاة المؤمني ودفنت عند أبيها بتربة الأمير قاني باي الجاركسي. وكان موتها في غياب زوجها كان مسافرًا في السرحة وماتت وسنها دون ثلاثين سنة وأمها خوند مغل أخت القاضي كمال الدين بن البارزي وهي في قيد الحياة. وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله القوامي المؤيدي أحد أمراء العشرات بالقاهرة في يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الأولى وحضر السلطان الملك الظاهر خشقدم الصلاة عليه بمصلاة المؤمني وقت العصر. وكان من عتقاء الملك المؤيد شيخ وكان من الخيرين الساكنين. وتوفي الإمام علاء الدين علي المغربي الحنفي إمام الملك الأشرف إينال في يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة وهو في عشر الستين من العمر. وكانت لديه فضيلة مع وسوسة وطيش وخفة وإسراف في الحال. وبالجملة إنه كان من المخلطين رحمه الله تعالى. وتوفي عظيم الدولة ومدبر المملكة الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الظاهري الدوادار الكبير المعروف بنائب جدة قتيلًا بيد المماليك الأجلاب بباب القلة داخل قلعة الجبل وقت صلاة الصبح من يوم الثلاثاء مستهل ذي الحجة وقد ذكرنا قصة قتلته في " الحوادث " مستوفاة لكن نذكرها هنا جملة وهي أنه ركب من بيته سحريوم الثلاثاء المذكور بغلس بعد صلاة الصبح بغير قماش الموكب ومعه نحو خمسة نفر وطلع إلى القلعة ومشى بمن كان معه إلى أن وصل إلى باب القلة فسلم على مقدم المماليك ثم مشى إلى أن جاوز العتبة الثانية من باب القلة والتفت عن يمينه إلى الجهة الموصلة إلى القصر السلطاني فوجد هناك جماعة من المماليك السلطانية الأجلاب فظن أن وقوفهم هناك لأجل أخذ الأضحية السلطانية على العادة في كل سنة فسلم عليهم فردوا عليه السلام بأعلى أصواتهم كما يفعلون ذلك مع أعيان الأمراء بطريق التجمل. ثم مشى إلى أن التفت إلى نحو العتبة التي تكون على شماله تجاه باب الجامع الناصري فرأى على درجات الباب المذكور جماعةً من المماليك الأجلاب من أول الدرج إلى آخرها فسلم عليهم كما فعل مع من صدفه منهم قبلهم فلم يرد أحد منهم السلام. وحال أن وقع بصرهم عليه نزلوا إليه دفعة واحدة وأحاطوا به ونزلوا عليه من جهاته الأربع بالسيوف وغيرها وهرب من كان معه إلى جهة الحوش السلطاني والدهيشة. ولما ضرب على رأسه سقط في الحال من وقته وضربه آخر في خاصرته بالسيف ثم نهض وارتكن بحائط الجامع ثم سقط من وقته فسحبه بعضهم برجله إلى طريق المطبخ فوجد به رمقًا فألقى على رأسه حجرًا هائلًا رضخ رأسه فمات من وقته. وكان مقدار قتلته كلها من أول الإحاطة به إلى أن خرجت روحه دون نصف درجة رمل. ولما تحققوا قتله أخذوا ما كان عليه من القماش وغطوه بحصير ورجعوا إلى باب القلة ليلقوا من ندبوا إلى قتله أيضًا من خجداشيته فوافوا الأمير تنم رصاص الظاهري المحتسب وأحد أمراء الطبلخانات قد أقبل في أثر الأمير جانبك المذكور فقصدوه فاستجار بمقدم المماليك أو بجماعة من إنياته فلم يغنوا عنه شيئًا وتناولته الأيدي بالضرب فهج فيهم وخرج من بينهم وهو بغيرسلاح ومضى إلى جهة القصر وهم في أثره في الظلام. ثم عاد وهم في أثره إلى جهة الجامع حيث قتل الأمير جانبك وقد ظفر منهم بعصاة فضربهم بها ودفع عن نفسه مع كثرة عددهم وكاد أن ينجو منهم فبادره بعضهم وضربه بسيف ضربة طارت يده منها ثم تكاثروا عليه بالضرب حتى ظنوا أنه مات فحملته إنياته إلى طبقته وبه رمق وأخذوا في مداواة جراحه فمات بعد قليل ذلك والنجوم ظاهرة بالسماء. ولما وقع هذا أغلقت أبواب القلعة وماجت الناس وذهب كل واحد من الأمراء والخاصكية إلى جهة من جهات القلعة. وأما السلطان فإنه كان جالسًا بقاعة الدهيشة والشمعة تقد بين يديه بعد أن صلى الصبح فدخل إليه جانم دوادار الأمير جانبك المذكور ولم يعلم جانم بقتل أستاذه وعرف السلطان أن المماليك الأجلاب منعت أستاذه من الدخول إلى السلطان فسكت السلطان لعلمه بباطن الأمر. ثم قال بعد ساعة: " أيش الخبر " فقال له بعض من حضر من الأمراء: " خير " فقال غيره: " وأي خير " والقائل الأول جانبك كوهية والثاني مغلباي طاز وكلاهما مؤيدي. ثم سكتوا فقال الأمير يلباي المؤيدي الأمير آخور الكبير: " ما بقي اليوم خدمة " فقال السلطان: " بلى نخرج إلى الحوش ". وخرج إلى الحوش وجلس على الدكة وذلك بعد طلوع الشمس وجميع أبواب الحوش والقلعة مغلقة. فجلس السلطان ساعة وليس عنده الصحيح من خبر جانبك إلى أن جاءه نائب المقدم وغيره وأعلموا السلطان سرًا بواقعة الأمير جانبك وقتله فقال السلطان إلى الخازندار: " أخرج ثوبين بعلبكيًا لتكفين الأمير جانبك وتنم رصاص ". ثم أمر السلطان الأمير جانبك كوهية الدوادار الثاني أن يخرج ويتولى أمرهما وتجهيزهما والصلاة عليهما فخرج وفعل ذلك وصلى عليهما بباب القلة ووجههما على نعوشهما إلى محل دفنهما وليس معهما كثير ناس بل جميع من كان معهما دون عشرة نفر فدفن الأمير جانبك بتربته التي أنشأها خارج باب القرافة ودفن الأمير تنم عند ليث بن سعد. وكثر أسف الناس على الأمير جانبك إلى الغاية وعظمت مصيبته على أصحابه وخجداشيته وانطلقت الألسنة بالوقيعة في السلطان ورثاه بعضهم وقالت المذاكرة في أمره قطعًا في كيفية قتلته وفي عدم وفاء السلطان على ما كان قام بأمره حتى سلطنه وثبت قواعد ملكه. واضطرب ملك الملك الظاهرخشقدم بقتله وخاف كل أحد من خجداشيته وغيرهم على نفسه وماجت المملكة وكثر الكلام في الدولة ووقع أمور بعد ذلك ذكرناها في وقتها ليس لذكرها هنا محل انتهى. ومات الأمير جانبك رحمه الله تعالى وهو في أوائل الكهولية غير أنه كان بادره الشيب ببعض لحيته. وكان رحمه الله تعالى أصله جاركسي الجنس وجلب إلى الديار المصرية وتنقل من ملك واحد إلى آخر ذكرنا أسماءهم في ترجمته في غير موضع من مصنفاتنا إلى أن ملكه الملك الظاهر جقمق في أيام إمرته وأعتقه. فلما تسلطن جعله خاصكيًا وقربه ولازال يرقيه حتى أمره وولاه بندر جدة. ونالته السعادة في أيام أستاذه وعظم وضخم ونهض في إمرة جدة بحيث إنه صار في وقته حاكم الحجاز جميعه حتى مات في دولة أستاذه وفي دولة غيره وقد حررنا ذلك جميعه في " الحوادث " وغيره. وعظم بآخره عظمة زائدة لا سيما لما ولي الدوادارية الكبرى في دولة الملك الظاهر خشقدم وصار هو مدبر المملكة وشاع ذكره وبعد صيته حتى كاتبه ملوك الأقطار من كل جهه وقطر. وأما ملوك اليمن والحجاز والهند فإنه أوقفني مرةً على عدة كثيرة من مكاتبات ملوك الهند وبعضها مشتمل على نظم ونثر وفصاحة وبلاغة وأما ما كان يأتيه من ملوك الهند من الهدايا والتحف فشيء لا يحصر كثرةً. وتضاعفت الهدايا له في هذه الدولة أضعاف ما كان يهدى إليه أولًا وقال له الدهر: خذ فأخذ وأعطى حتى أسرف وبذر بحيث إنه لم يكن أحد من خجداشيته وغيرهم من كثرتهم له مال إلا من إنعامه عليه أو هو ساكن في بيت أنعمه عليه. والذي أعرف أنا أنه وهب تسعة دور من بيوت مقدمي الألوف بالديار المصرية على تسعة نفر من خجداشيته الأكابر الأمراء وغيرهم وقس على هذا من الخيول والقماش. وكان في مجاورتي بمكة في سنة ثلاث وستين يلازمني وألازمه في الحرم كثيرًا ولم أنظره تصدق على أحد فيما تصدق به أقل من عشرة أشرفية هذا مع اقتنائه من كل شيء أحسنه وأجمله وأكثره لاسيما بركه وخيمه فكان إليها المنتهى في الحسن يضرب بها المثل. ويكفيك من علو همته أنه أنشأ بداره بستانًا أزيد من مائة فدان بابه الأول من داره قريب من خط قناطر السباع وبابه الآخر تجاه الروضة ثم أنشأ له تلك القبة العظيمة والرصيف الهائل تجاه الروضة. وبالجملة والتفصيل إن بابه كان محط الرحال وملجأ الطالبين الملهوفين ونصرة المظلومين وكثرة المحتاجين فإنه كان يعطي إلالفين دينارًا دفعة واحدة إلى ما دونها وكان يعطي من المغل ألف إردب دفعة واحدة أيضًا في يوم واحد إلى ما دونها إلى عشرة أرادب وأعطى في يوم واحد لبعض أعيان خجداشيته مائة ناقة بأتباعها يعرف هذا كل أحد فقس على كرمه أيها المتأمل ما شئت أن تقيس. ثم اعلم أنه لم يخلف بعده مثله وإن أشكل عليك هذا القول فسل من أحد من أمرائك العصريين عشرة من إلابل فإن أعطاك فاشكر مولاك واعلم أن الناس فيهم بقية كرم وإن لم يعطك فاشهد بصدق مقالتي. وعل كل حال إنه كان ملكًا كريمًا جليلًا مهابًا شهمًا عارفًا حاذقًا فطنًا فصيح العبارة في اللغة العربية والتركية بالنسبة لأبناء جنسه. وكان قصير القامه مع كيس في قده وظرف في تناسب أعضائه بعضها لبعض. وكان سيوسيًا حسن التدبير ومن حسن سياسته أنه لم ينحط قدره بعد زوال دولة أستاذه الملك الظاهر جقمق بل زادت حرمته أضعاف ما كانت في أيام أستاذه مع كثرة حكام الدولة الأشرفية الإينالية وتفرق كلمتهم فساس كل واحد بحسب حاله وأقام في دولتهم عظيمًا مبخلًا وبوجوده كان أكبر الأسباب في إعادة دولة خجداشيته بعد موت الملك الأشرف إينال. وبالجملة إنه كان نادرة من نوادر دهره رحمه الله تعالى. وقد استوعبت أحواله في غير هذا المصنف بأطول من هذا بحسب الباعثة والقريحة ورثيته بقصيدة نونية في غاية الحسن عفا الله عنه وصالح عنه أخصامه بمنه وكرمه. وتوفي الأمير سيف الدين تنم رصاص من نخشايش الظاهري المحتسب أحد أمراء الطبلخانات قتيلًا بيد المماليك الأجلاب مع الأمير جانبك الدوادار وقد تقدم ذكر قتله فيما تقدم. وكان تنم هذا من عتقاء الملك الظاهر جقمق وخاصكيته وترقى بعد موته إلى أن ولي حسبة القاهرة في أواخر دولة الملك الأشرف إينال ثم صار أمير عشرة في أوائل دولة الملك الظاهر خشقدم ثم نقل إلى إمرة طبلخاناه ودام على ذلك إلى أن قتل في التاريخ المذكور في قصة الأمير جانبك وهو يوم الثلاثاء أول ذي الحجة. وكان شابًا مليح الشكل شجاعًا عارفًا كريمًا لسنًا متحركًا حاضر الجواب وكان أحد أعوان الأمير جانبك الدوادار في مقاصده رحمهما الله تعالى وعفا عنهما أجمعين. وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن أحمد القرافي المالكي أحد نواب الحكم المالكية وأعيان الفقهاء بالديار المصرية في ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجة ودفن صبيحة يومه بالقرافة وقد جاوز السبعين من العمر. وكان له اشتغال كثير في ابتداء أمره وعمل جيد مع ذكاء وحسن تصور لا سيما في باب التوريق وصناعة القضاء والشروط رحمه الله تعالى وعفا عنه. أمرالنيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وعشرون إصبعًا. مبغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وسبعة أصابع. وهي سنة ثمان وستين وثمانماثة. فيها توفي قاضي القضاة بدرالدين حسن بن محمد بن أحمد بن الصواف الحنفي الحموي قاضي قضاة حماة ثم الديار المصرية إلى أن مات في يو الأحد رابع المحرم ودفن من الغد في يوم الاثنين وسنه نحو الستين سنة تخمينًا. وكان أصله من حماة من أولاد التجار واشتغل بالعلم فى مبدأ أمره يسيرًا ثم مال إلى المتجر وتحصيل المال إلى أن حصر على جانب كبير منه. وولي قضاء حماة بالبذل سنين كثيرة وطال تكراره إلى القاهرة غير مرة وأخذ منه بوسائط جمل مستكثرة من المال غصبًا ورضًا. ثم قدم القاهرة في سنة ست وستين لأمر من الأمور وحصل بينه وبين قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة الحنفي شنآن بواسطة صهارة فسعى عليه وعزله وولي عوضه في ثاني عشرين شهر رجب من سنة سبع وستين إلى أن مات في المحرم من هذه السنة بعد أن مرض نحو الشهر فكانت مدته كلها في القضاء خمسة أشهر وأيامًا بما فيها أيام مرضه ولقد تعب بولايته وأتعب واستراح بموته وأراح. وتوفي السلطان الملك العزيز أبو المحاسن جمال الدين يوسف ابن السلطان الملك الأشرف أبي النصر برسباي الدقماقي الظاهري بعد خلعه من السلطنة بسنين كثيرة بثغر الإسكندرية في يوم الاثنين تاسع عشر المحرم وهو في أوائل الكهولية لأن مولده بقلعة الجبل في سلطنة أبيه في سنة سبع وعشرين وثمانمائة وأمه خوند خلبان أم ولد لأبيه جاركسية تزوجها أستاذها الملك الأشرف بعد أن ولدت الملك العزيز هذا وماتت أيام والده الأشرف ونشأ الملك العزيز تحت كنف والده بالدور السلطانية إلى أن عهد له أبوه الأشرف بالسلطنة في مرض موته ومات بعد أيام. وتسلطن العزيز هذا بعد عصر نهار السبت ثالث عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وهو السلطان الثالث والثلاثون من ملوك الترك بالديار المصرية وأولادهم والتاسع من الجراكسة وأولادهم. وتم أمره في الملك وصار الأتابك جقمق مدبر مملكته وفرق النفقة على المماليك السلطانية كل واحد مائة دينار لا يتنفل أحذ على أحد كائنًا من كان على قاعدة الملوك العظام بخلاف من جاء بعده من الملوك. ودام في الملك إلى أن وقع بين الأتابك جقمق وبين مماليك أبيه إلاشرفية أمور آلت إلى خلعه من السلطنة وسلطنة الأتابك جقمق عوضه في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة فكانت مدة ملكه نحوًا من خمسة وتسعين يومًا ليس له فيها إلا مجرد الاسم فقط. وبعد خلعه من الملك رسم له بالسكن في قاعة من الحريم السلطاني بقلعة الجبل فسكن بها إلى أن حسن له بعض حواشيه التسحب منها والنزول من القلعة إلى القاهرة لتثور مماليك أبيه به على الملك الظاهر جقمق ففعل ذلك وتزيا في نزوله في زي بعض صبيان الطباخين ونزل بعد الفطر وقت صلاة المغرب إلى القاهرة من باب المدرج وكانت أيام شهر رمضان فنزل ولم يفطن به أحد لاشتغال الخدام وغيرهم بالفطر. فلما نزل إلى تحت القلعة لم ير شيئًا مما قيل له فندم على نزوله وبقي لا يمكنه العود إلى مكانه فاختفى من وقته هو ومملوكه أزدمر وطواشيه صندل وطباخه إبراهيم ووقع له وللناس في اختفائه أمور ومحن ونكبت جماعة كثيرة من الناس بسببه وضرب جماعة من مماليك أبيه بسببه بالمقارع والكسارات ووسط بعضهم وقلق الملك الظاهر جقمق بسببه قلقًا زائدًا. وضاقت الدنيا على الملك العزيز يوسف وتفرقت عنه أصحابه إلى أن ظفر به الملك الظاهر جقمق في أواخر شوال وكان الذي أمسكه الملك الظاهر يلباي وكان يوم ذاك أمير عشرة فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بقرية سرياقوس زيادة على ما بيده لكونه قبض على الملك العزيز في الليل وطلع به إلى السلطان. ولما ظفر به الملك الظاهر جقمق حبسه بالدور السلطانية ثم بعثه إلى سجن إلاسكندرية فحبس بها إلى أن أطلقه الملك الظاهر وخشقدم في أوائل سلطنته هو والملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق. وسكن العزيز بدار في الإسكندرية إلى أن مات بها في التاريخ المقدم ذكره بعد أن قضى من عمره أيامًا عجيبة من حبس وقهر وتنغص عيش عوضه الله الجنة بمنه وكرمه. وتوفي الشيخ الصالح المعتقد المجفوب بن إبراهيم البباني الكردي بسكنه بجامع قيدان على الخليج بالقرب من قناطر الإوز خارج القاهرة في ليلة الجمعة سلخ محرم هذه السنة وصلي عليه ثلاث مرار مرة بجامع قيدان حيث كان سكنه ووفاته ومرة في الطريق ومًرة حيث دُفن بتربة الملك الظاهر خُشْقَدم في الصحراء وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية بحيث إن نعشه رُفِعَ على الأصابع من كثرة الناس مع هذا المدى البعيد ومات وقد جاوز الستّين. وكان أصله ببانثًا - طائفة من الأكراد - وُلدَ هناك وقَمِ القاهرة ونزل صوفيًا بخانقاه سعيد السعداء ودام على ذلك دهرًا إلى أن ظُن منه نوع من الجنون الذي يسميه الفقراءُ جَذْبَة فنقله أهلُ الخانقاه عنهم فسكن بدار ثم انتقل إلى جامع قَيْدان فدام به سنين كثيرة وبه اشتهر بالصلاح وقَصَدته الناس للزيارة والتَبَركِ بدعائِه مع أنه كان لا يقبل من أحد شيئًا إلاّ نوع الأكل. وكانت جَذْبَتُه غير مطبقة لأنه كان لا يخل بالمكتوبة بل يغتسل في الغالب لكل صلاة صيفًا وشتاءً. وكان له في مبدأ أمره اشتغال ببلاده ولم يبلغني من كراماته شيء. وبَبَان ببائين ثاني الحروف مفتوحين وبعدهما ألف ونون ساكنة - أظنها قبيلة في الأكراد - رحمه اللهّ تعالى.
|